حسن شهاب الدين – شاعر مصري من مواليد 1972م، نشرت قصائده ودراساته الأدبيّة في الصحف المصرية والعربيّة، ومن “شرفة الغيم المتعب” أطلّ على قرّائه بإصداره مجموعته الشعريّـة الأولى عام 1998م، يتلوها إصدار آخر تحت عنوان “ديوان متوّج باسمي”. له العديد من المشاركات على المستوى المحلّي والعربيّ والعالميّ، وحصد جوائز شعريّة عدّة كان أبرزها درع لجنة تحكيم مسابقة أمير الشعراء في موسمها الثالث، والجائزة الأولى لرابطة الأدب الإسلامي العالميّة في مسابقة القدس عاصمة الثقافة العربية 2009. كما كانت له بصمته في أدب الطفل عبر ديوان “الجنَّـة الصّغيرة”.
حسن شهاب الدين.. كيف يَعْرِفُهُ الشعر؟ وكيف تَعْرِفُهُ أنت؟
” طفلٌ..
يهزُّ بجذعِ الأفـْقِ
يقطفُ مِنْ
أغصانِ ذاكرةِ الأشياءِ ما فـَقـَدا
كمْ علـَّقَ الشمسَ
في خيطٍ
وطيَّرَها
ليوقظـَ الصبحَ للجيران
إنْ رَقـَدا
وكمْ محا بيديهِ
ما يُخطـِّطـُه
فحمُ الظلامِ
على الأبوابِ وانْعَقدا “
هكذا يعرفه الشعر.. الطفل الذي يجيد لعبة النور والظل المتشبث ببراءته حتى يلج بها الأبدية يعلق شمس القصيد في خيط طفولته ويشاكس الصباح الآتي رافضا لغة الظلام ماحيا حروفها بأظافره حتى يرى البراءة تندِّي خدَّ الكون.
وأعرفه كما أراه على مرآتي في عزلته المضيئة.. يختزن دمعة الكون في عينيه ويهشم بصمته زجاج البوح وتسأله القصيدة كل يوم كيف تستطيع أن تبتسم أيها الحزن الساطع؟
محطة أمير الشعراء .. حدثنا عن وقوفك عليها ..
إلى أي مدى ترى أن المسابقات تُثري الساحة الشعرية ؟
محطة هامة في مسيرتي منحت شعري ما كنت أريده من ضوء في تلك الفترة وحملته بجناحين إلى آفاق المتلقي العربي الواعي الباحث عن شِعر جيد ربما تواريه الجغرافيا وتحجبه المجايلة ..ترددت كثيرا في التقدم للمسابقة فقط لخجلي من انتظار نتيجة على شِعر أقدمه كما أن العنصر المادي له دخل في المسابقة في مراحلها المتقدمة وهو أمر لا يعتاده الإنسان المصري البسيط أو حتى المثقف لذا كان عليَّ ان أقف وحيدا بامتداد الخارطة العربية غير معتمد على تصويت وتقدمت للمسابقة بدون أن أخبر أحدا حتى أقرب الأهل والأصدقاء وأحمد الله على نجاحي فيها, ومسابقة أمير الشعراء وغيرها من المسابقات الجادة لاشك في أنها تثري الساحة الأدبية وتمنح الألق لمواهب حقيقية ربما احتاجت سنوات لظهورها وفي نهاية كل موسم تستطيع أن تشير إلى عدة مواهب تنضج وتتشكل وتستطيع أن تسمي أصحابها في قريب عاجل شعراء كبار.
********
هل حدث أن شعر حسن شهاب الدين – وهو يقرأ أمام الجمهور – برغبة في البكاء؟
حين يتحد الشاعر بقصيدته وتصبح القصيدة شاعرها لابد له حينئذ من الشعور بما كتبه لذا ربما يشعر برغبة في البكاء..وقد حدث ذلك مرارا.
********
من تعده أيقونة الشعر العربي؟
ربما هو أصعب الأسئلة..لذا لن أسمي أحدا بل سأقول إنه الشاعر المتجدد دوما الذي يدس إعصارا في ورقته ولو أردت وصفا أقرب فهو ذلك الطفل الذي يأتي بعد أن يتخذ الكبار أماكنهم ويرتبوا أوراقهم فيطلق عاصفته الجميلة ويمضي وحيدا في صحبة الضوء.
********
– ما رأيك بما يسمى ( بالمعجم الشعري الخاص ) ؟ هل هو ظاهرة شاخصة عند كل شاعر ؟ وما مدى تأثيره على القيمة الشعرية للشاعر ؟
معجم الشاعر ليس فقط كلماته التي يتكئ عليها بل هو ألوانه التي يستخرجها من صندوق أصباغه ومفردات الطبيعة من حوله وأشكال الوجود والعدم التي تتراءى في داخله فيرى أي يصبح رائيا..وهناك حيث يذيب الكون في طقس بطيء بطيء يتشكل صلصال الكلمات وتتخلق الرؤى وتعاد الحياة للخلق وتولد في النفس البراءة الأولى وربما يتكئ على مفردات بعينها وليس في ذلك عيب إن منحها حياة جديدة في كل مرة وأظن أن لكل مرحلة من مراحل إبداع الشاعر لغتها الخاصة ومعجمها الذي يميزها كما قد ينطبق هذا على أغلب المبدعين والفنانين فقد نجد بيكاسو في مرحلته الزرقاء التي اهتم فيها بتنويعات اللون الأزرق ثم في مرحلته الوردية ثم التكعيبية وغيرها ..أقول هذا وأنا على يقين أن الشاعر الحقيقي هو الذي يقتنص معجمه من الوجوه والظلال والأحلام من بيئته الخاصة وعالمه الكبير وقلبه الطفل.
********
” لسنا غرباء أيّها الطلل
المترنّح
والمتأرجح
فوق شوارب عنترة
وخيوط الأحذية السياسية الـ .. لا شرقيّة
لسنا غرباء
نحن – إذا حدّقت قليلا في تجاعيد أحزاننا –
إسمنت حوائطك
وهواء غرفك
نحن.. سجّادك الموطوء
ونوافذك المهشّمة
ونحن – لو تعلم –
أبناؤك “
لسنا غرباء ..
لسنا غرباء ..
إلى متى يظل الشاعر مسكونا بقلق الغربة وتشظي الحنين إلى وطن – ربما داخل الوطن حتى – ؟
يظل الشاعر مغتربا في عوالم المرآة حتى يجد يوتوبيا التي تخصه وحده وحتى يرسم ظلــُّه على الأرض وطنا للحب والجمال وحتى يقود العالم إلى أرض تنبت فيها حرية الإنسان فيصبح الأمل شمس هذي الحياة ويعم سلام الروح ومن ثم يتصالح الإنسان مع ذاته وتتصافح الأنا مع الآخر..أظن أن هذه النظرة الممعنة في النقاء تقتضي أن يظل الشاعر مغتربا آخذا بيد الشعر وذاهبا في طريق اللاعودة ومع كل خطوة تذبحه نصال الحنين إلى ذلك الوطن/النور.
********
– متى يمكن للشاعر أن يقول ” هذا وطني ” ..
وما هو الوطن على أية حال ؟
ربما يتكئ الشاعر على جدار قصيدته قائلا هذا وطني ولكنه سرعان ما يعاوده الحنين إلى وطن يرسم حدوده بخطاه ويمد له ذراعيه كي يرسم خرائطه بينهما..إنه الوطن/المهد والوطن/النهاية وهو ما يظل الشاعر باحثا عنه أبدا حتى وهو يحيا على ترابه ووسط أبنائه.
********
كيف ترى مصر الآن ؟
مصر .. الأرض والناس ؟
مصر .. الأزقة والنيل والحكايات ؟
مصر .. القصيدة الخالدة ؟
مصر..قلب الأرض..ناسها نبضاته..شوارعها تمتد حتى أقاصي الروح..نيلها فجر تكسرت أقداحه.. سماؤها مرآة الملائكة ..عيون أطفالها شرفات المطر..تاريخها أنا وأنت ..
مصر ..ثلاثة أحرف تختزن فلسفات الحياة وتناقضات الوجود
قلت عنها من قبل..
” في الحزنِ..
تشبهُه دموعُ بنيهِ
وطنٌ
جراحُ الأرضِ
تنبتُ فيهِ
شابَ النخيلُ
وراءَ بابِ غيابهِ
ونمتْ قـُراه
على ضفافِ التيهِ
وطنٌ..
بلا وطنٍ
تغرَّبَ باحثا
في نفسِه
عن ملجئٍ..يؤويهِ
يحيا بقارعةِ الطريقِ
وربما..
– كِبـْرا –
رداءُ الأرضِ لا يكفيهِ
قاسٍ..
يذبـِّحُنا بنصلِ حنينِه
فإذا احترفـْنا موتـَنا
نـُحييهِ
حانٍ..
فكلُّ شجيرةٍ من ليلِه
تذرو النجومَ
بصدرِ معتنقيه
ناءٍ ودانٍ.
لا يشابه ُنفسَه
عجزتْ مراياه
عن التشبيهِ”
وباختصار شديد..مصر هي أحجية الخلود.
********
” أدوات كتابتنا تسهم في تفتح أفكارنا ” يقول نيتشه
ما هي علاقتك بالحبر والورقة ؟
هل لازالت ملتصقة بالشعر .. أم أن التقنية استبدلتها ؟
وهل تظن أننا سننسى صرير القلم قريبا
لكل شاعر طقوسه لحظة الإبداع وطقوسي ترتبط بالحبر والورقة كثيرا..فالورقة والقلم وبعض الهدوء وشيء من الموسيقى الهادئة تعني لي الكثير إلا أنني أتعجب من قصائد أعتبرها من أفضل ما كتبت خالفت القياس فمثلا قصيدة جناح الماء كتبت على الورق وفي الطريق وأمام شاشة الكمبيوتر.. وغيرها أيضا مثل متاهة الأشكال التي أتعبني مطلعها كثيرا أذكر أنني كتبت بعض أبياتها في الطريق.. وقصيدة هناك من يشبهني كتبت في العمل وقد كتبت أيضا في الطائرة وفي الفنادق إلا انني أشعر بالألفة والحنين مع الورقة والقلم ..أو قل أشعر بالثقة أكثر فيما أكتبه على الورقة وبهذا الساحر القلم.
********
نعلم أن حالات ولادة النص لا تخضع لمنطق ما .. فبينما تجيء قصيدة ما في لحظة لاوعي خاطفة .. تجيء أخرى بعد تقديم قرابين لها من صفحات ملطخة بالحبر ..
كيف تبتدئ القصيدة عند حسن شهاب الدين .. هل تخضعها لرغبة الكتابة لديك ؟ أم تحملها من يدها لتتشاركا البداية معا ؟ أم تنتظرها لتجيء كما تشاء ؟
تدخلني بسؤالك هذا إلى قدس الأقداس داخلي وأنا معك أن ولادة القصيدة لا تخضع لمنطق ما إلا أن ثمة ضرورة لأن تجتمع عدة أنهار لتصب في البحر الكبير مثل الشعور بالرغبة في البوح والقلق الداخلي والشرود وتوقع شيء ما من الغيب كل هذه الروافد كافية إذا وجدت مثيرا كبيرا ضخما وإذا وجدت أيضا إشارة عابرة..وقد تعودت من نفسي على انتظار القصيدة وربما شاكست مطلعها قليلا حتى يتكشف لي عن بارقة أتتبعها وهناك قصائد كبرى حلمت طيلة عمري بكتابتها وقد وفقني الله تعالى لبعضها مثل قصيدة “الأندلسي الأخير” وقصيدة “السدنة”,وهناك قصائد لا تستجيب للنداء الأول والثاني والمائة وكما أنه قد تصاغ بعض الأبيات في الطريق هناك قصائد تخلف لياليا طوالا وأرقا مستمرا وتلالا من الورق.. وأظن بل أنا على يقين أن الشاعر الحقيقي يحيا تجاربه طوال الوقت لا يتخلى عن الشعر ولا يتركه الشعر يتخلى عنه ويكفي أنك حين تنتهي من كتابة نصك تتجه لإبداع من نوع آخر يتمثل في القراءة وإعادة اكتشاف ظاهرة شعرية ما أو الكتابة حول شاعر..أي أنك تظل شاعرا حتى رغم انتهاء الكتابة وهذا هو الشاعر الحقيقي.
********
عَـادَةً مَـا تُـؤَرِّقُ القَضَايَـا الإِنْسَانِيَّـةِ الأَدِيبَ لِتَكُونَ شرَارَةَ العَمَلِ الأَدَبِيّ
هَـلْ سَتَتَـغَـيَّرَ تِلْكَ الـرُّؤْيَـةُ نَـحْـوَ قَـضَـايًـا أُخْـرَى أقَلّ شُمُولاً وَأَكْثَرَ إِيغَالاً فِي الذَّاتِ الشَّاعِرَةِ؟
القضايا الإنسانية الكبرى لا تؤرق إلا المواهب الكبرى التي تستطيع الولوج إلى فضاءاتها الواسعة ولكن هذه المواهب الجبارة تستطيع أن تحول العادي واليومي إلى تجربة حياة وصراع وجود, وما يؤرق الذات الشاعرة لا بد أن يهم الكون باعتبار أنها أحد أركانه..إذن المحك هو موهبة الشاعر وثقل نفسه في ميزان الإنسانية.
********
بَيْنَ التَرَفِ الّذِيْ تَتَمَتَّعُ بِهِ اللُّغَـةُ .. وَزُهْـدِ الإِشَارَةِ إِلَى المَعْنَى .. كَـيْـفَ تَـجِـدُ الـقَـصِيـدَةَ العَـرَبِيَّـةَ؟
مَـا الّذِيْ يُمَيِّزُهَا عَـنْ أَيِّ قَصِيدَةٍ أُخْـرَى؟
إنها متاهة الأشكال يا صديقي..تيه اللفظ والمعنى ولعبة الظلِّ والمرآة حيث يتراءى المعنى فتفر الكلمة وتلوح الكلمة فيتسرب المعنى كالماء..وأنت الراقص على الحبال الممتدة ما بين لغة إلاهية وسماوات إبداع لا انتهاء لها..وهذا أكثر ما يميز القصيدة العربية وهو اتكاؤها على لغة إلاهية مرصودة للإبداع والخلق والإيجاد..إنها لغة التكوين..صلصال اللغات..وبقدر تميز اللغة العربية عن غيرها من اللغات تظل القصيدة العربية مختلفة عن غيرها مهما ألبست من ثياب ومهما انتزعت من جذور وهذا قدرها الجميل وسؤالها الصعب ومدارها الأكمل.
********
بِرَأيك – لِأَيِّ مَـدَىً يَجِبُ أَنْ تَحْتَفِظَ القَصِيدَةُ العَرَبِيَّـةُ بِخُصُوصِيَّتِهَا فِيْ ظِلِّ العَوْلَمَةِ الشِّعْـرِيَّـةِ؟
يجب أن تظل القصيدة العربية محتفظة بخصوصيتها بقدر احتفاظ الإنسان العربي بخصوصيته وأنت تعلم أن العولمة العربية والانفتاح الكبير على منجز الآخر لا يعني بالضرورة الانسلاخ عن الجذور والتبرء منها إنها تعني – بالنسبة لي- أن لي عرقا ونسبا يربطني بكبار المبدعين في العالم وأنه لابد أن أمنحهم غرفة في بيت آبائي الخالدين ولكن طالما وُجِدت الذات العربية وُجد شيء ما في القصيدة يظل خاصا بها وحدها.. انظر معي لأشد حالات الإبداع العربية ابتعادا عن الجذور وهي قصيدة النثر ولنأخذ أدونيس مثلا – وأنا أحترم تجربته كثيرا- أتستطيع أن تنفي عن قصيدته وجهها العربي بإشاراته ورموزه وامتداده التاريخي وأنا لا أنفي أنه ربما يأتي يوم يصبح فيه العالم وحدة واحدة وساعتها ربما تصبح القصيدة ذات قناع واحد يصلح لجميع الوجوه وحينئذ صدقني سنبحث كثيرا عن الاختلاف وعن هويَّاتنا الضائعة.
********
” النموذج الأدبي هو نموذج لغوي أو لساني بالدرجة الأولى لكنه من التكثيف والتشويش بحيث يخرق منطق المعيارية السيمانطيقية فيشغل القارئ بذاته قبل أن يشغله برسالته “
هل ترى أن هذا الأمر سيعيدنا هكذا إلى إشكالية التأويل والتي لا تؤدي نتيجة مرجعية ما ؟
أم أن الأدب لا يخضع للتحليل العلمي التطبيقي ؟
هذا السؤال ينقلنا لسؤال آخر هو لمن نكتب؟ هل للصفوة المثقفة القادرة على تخطي عقبات النص وفك رموزه أو للمتلقي البسيط الذي يريد أن يتواصل مع الأدب والشعر خاصة؟ وأظن أن القارئ والمبدع وجهان لعملة واحدة وأنه حتى في أشد حالات غموض وانغلاق النص سيجد القارئ الجاد بصيصا ينفذ منه إليه ,مع الأخذ في الاعتبار أن الشاعر ليس مطالبا بأن يذلل عقبات نصه وأن يقدم رؤيته في ثوب شفيف خاصة وأنه يبتكر نصا استعاريا مثقلا بالتكثيف والرموز والتناص وتوظيف اللغة بما يخدم رؤيته الخاصة للعالم وكل هذا يجب أن يجد قارئا واعيا يعيد إنتاج النص فالمسألة حوار بين فاعليْن (المبدع والقارئ) ولكنه حوار يرتكز مهما كان مطلقا على أساس مشترك بينهما وعلى ذلك يستطيع القارئ أن يستخدم حتى ولو بغير وعي منه منهجا سيميولوجيا عن طريق تفكيك النص وإعادة تركيبه للوصول لدلالاته وإشاراته, كما أن القارئ يكون بالتأويل مبدعا آخرا للنص وقد يصل به إلى مرجعية تماثل المرجعية الأصل أو على الأقل تكون متفرعة عنها, وباعتبار الأدب مُنتجا يمكن تقبل فكرة خضوعه للتحليل العلمي التطبيقي بكل أشكاله.
********
بالنظر إلى سهولة الوصول للمعرفة في الوقت الحالي .. كثرت الآراء والرؤى النقدية التي تكاد تمس كل شيء متعلق بالقصيدة .. بدءا من بنيانها إلى إيحاء لغتها وفكرتها .. مرورا بإيقاعها ودلالاتها الجمعية أو الذاتية … الخ
بوجود كل هذه الرؤى التي تحيط بالنص قبل ولادته حتى .. كيف يمكن للشاعر أن يكتب النص دون الإصطدام بهذه الرؤى أو دون محاولة تلافيها أيضا ؟
كيف يمكن للنص أن يحلق في وسط مزدحم كهذا ؟
أوافقك على أن الرؤى النقدية كثيرة ومختلطة وربما متناقضة إلا أننا يجب ألا ننسى أنها لا تنبع على كثرتها إلا من النص نفسه ففي البدء كان النص وما هذه الرؤى النقدية إلا قراءات متعددة الأوجه له, وفي قرارة الشاعر داخلي أستطيع تجاوز كل ما يفرضه النقد ملتفتا للبرق الذي يشق آفاقي متتبعا وهج البوح لحظتها أشعر أنني أصعد سلالم الهواء لأحتوي الكون.. حيث أشعل الغيم وأوقظ دهشة المطر إنها اللحظة التي أعيد فيها تشكيل الحياة فكيف لرأيٍّ نقديٍّ وقتها أن يعوقني أو حتى يلحق بي ؟
********
“نَـحْـنُ مَـحْـكُـومُـونَ بِـمَـا يَـفْـرِضُـهُ عَـلَـيْـنَـا الـشِّـعْـرُ مِـنْ فَـنٍّ”. هَـلْ تَتَـفِـقُ وَهَـذَا الـمَـقُـولَ؟
صدقني أخي الكريم أنا للآن لا أدري من منهما يفرض على الآخر فنه أهو الشاعر بتجاربه وخبراته وربما جنونه وأقصد تحديدا وفي كل مرة ذكر لفظ “الشاعر” ذلك المبدع الأصيل صاحب الموهبة الكبيرة أم هو الشعر الذي يقود الشاعر إلى مغامرات الإبداع ويفرض عليه فنه إلا أنني أستطيع القول أن ما بين الشعر والشاعر عقدا لا سبيل للفكاك منه أن يتلازما في رحلة اكتشاف الحياة وأن يحملا معا عبء الخروج من التيه.
********
ما هو ” اكسير الحياة ” للقصيدة .. لماذا لا تشيخ بعض القصائد .. ولماذا لا يموت بعض الشعراء ؟
إذا افترضنا اشتراك عدة شعراء في نسبة امتلاكهم للموهبة الشعرية على أن يكون لهم نفس مقدار الخبرة وأنهم قاموا بالكتابة حول نفس الحدث في زمن واحد..فإنَّ الخلود من وجهة نظري سيكون لأكثرهم تعبا في بناء قصيدته وأصبرهم على مطاردة غزالة الكلمات النافرة وإعادة تشكيل الحياة بعد أن يصهر الكوني/المطلق – لا الآني – في إناء ألوانه ويستمر كالماء في النحت ببطء.. ويذهب برؤيته أبعد من الآخرين ثم يزيل عنها الرتوش والهوامش ويُبقي فقط الجوهر الذي يتألق صفاء فتولد حينئذ قصيدة تصلح لكل زمان ويحتفي بها البقاء..أظن أن هذا سر بقاء الشعر وشاعره إلا أننا يجب أن نضع في اعتبارنا بعض العوامل التي قد تتداخل لتفرض نصا ما في زمن ما ولا منطق حينئذ إلا العبثية المحضة غير أن سيرورة مثل هذا النص محكومة أيضا في إطار ضيق عالقة بخيط من خلود باهت.
********
ما هو شعورك بعد انتهائك من كتابة قصيدة تشعر أنها جيدة ؟
حين أبدأ كتابة قصيدة جديدة أشعر أنني أمتلئ بالحياة وأثناء كتابتها أشعر أنني أرتقي ذروة إنسانيتي..أما حين أنتهي منها فشعوري أنني أدَّيت ما عليَّ عمله تجاه وجودي, ووجهت بوصلة الحياة لاتجاهها الصحيح.
********
انتهى