عَـلِـي جِـبْرِيل.. دفُـوفِـيّ الـشِّـعْـر.. شَـاعِـرٌ تَـكْـتُبُـهُ الـقَـصِـيدَةُ حِـينَ يَـكْـتُبُـهَـا، صَـافَـحَ قُـلُـوبَ جُـمْـهُـورِهِ فِـي بَرْنَـامِـجِ أَمِـيرِ الشّعَرَاءِ فِـي نُـسْـخَـتِـهِ الأَخِـيرَةِ الرّابِـعَـة، وَمَـا لَبِثَ أَنْ تَـخَـلّلَ شِـغَـافـهَـا بِـلَـمْـحَـةِ شِـعْـرِهِ الـصُّـوفِـيَّـةِ الأَخَّـاذَةِ. طَـرَقَ أَبْـوَابَ الـصّحَـافَـةِ دَاخِـلاً عالمهَـا فِـي جَـرِيدَةِ عُـكَـاظ، وَصُـحُـفَ أٌخْـرَى. عـضْـوٌ فِـي رَابِطَةِ الأَدَبِ الإسْـلامِيّ العَـالَـمِـيَّـةِ وَمُنْتَدَى الحَـرْفِ الأَدَبِيّ فِي مَـكَّـة المُكَرَّمَـة. مَـالِـيُّ الأَصْـلِ، سعُـودِيُّ الـمَـنْـشَـأ وَالـمَـوْطِـن، شَـفِـيـفُ الـكَـلِـمَـةِ، عَـمِـيـقُ الـمَـعْـنَـى، فِـي لِـقَـاءٍ تَـنْـصَـهِـرُ بِهِ فَـوَاصِـلُ الـمَـكَـانِ وَأَبْـعَـادِهِ.. حَـيْثُ للأَدَبِ فِيهِ أَلْـفُ جِـسْـرٍ.. وَجِـسْـرٍ.. وَللـشِّـعْـرِ أَوَّلُ الـمَـسَـافَـاتِ.. وآخِـرُهَـا,,,
مـن هو “علي جبريل” في نظرك؟
شخص أقل من أن يذكر.. وكثير أن ينسى!
رمته رغبةُ الحياة ذات مشيئة إلى هذا العالم، وعاش مراحلَهُ المبكرة كأي كائن آخر يصارع من أجل أن يكون! ولا زال تدفعه رغبةُ الحضور في أن يرسم لنفسه خطّاً لا كالآخرين، وأن يغذيَ في روحه أشواقَهُ إلى الحب والسلام مع كل من حوله، وأشواقَهُ إلى الانسجام مع كل ما حوله من الأشياء.
ما هو “الشعر” عـند “علي جبريل”؟
الشعر ضرورة بقاء.. وليس ترفا. لو لم يكن الشعر لبقي الإنسان مشروعاً مشوهاً!
وحده الشعر يمكن أن يرمم ما يتهدم من أركان الإنسان.. ووحده الشعر يمكنه أن ينتشل سقوطه المتكرر في أوحال الطين.
كيف ترى تجربتك في “أمير الشعراء”؟ ما الذي قدمته لك المسابقة.. وما الذي قدمتَه لها؟
التجربة في مسابقة “أمير الشعراء” كانت غنية كل الغنى بالكثير من المكاسب الحقيقية على المستوى الشخصي والشعري، فالبرنامج في اعتقادي مثل البوابة الكبيرة التي فتحت لي آفاقا عديدة نحو المستقبل على المستوى الشخصي؛ وعلى المستوى الشعري كان اختبارا حقيقيا للتجربة الشعرية، وتحديا حقيقيا لها في المستقبل.
عنوان مدونتك : “وطن.. ومنافي”. ما سر هذه العنونة؟ ولم أنت بعيد عنها الآن؟
سر هذا العنوان أن الحرف وطن.. نسكنه هروبا من صقيع المشاعر وفرارا من هجير الضمير!
لكن هذا الوطن كثيرا ما ينقلب إلى منفى.. يأسرنا بين مجاري شعره ومرابع معانيه.
الكتابة قد تكون وطنا وقد تكون منفى.. وفي كلا الحالتين نحن نهرول إليها دائما.. شوقا إلى مرابع الذكريات في الوطن.. وحنينا إلى كهوف العزلة والتأمل في المنفى.
أما بخصوص ابتعادي عنها مؤخرا فبسبب أنني نقلت أغلب نشاطي الأدبي والثقافي إلى صفحتي على “الفيسبوك”، وربما سيكون لها تنظيم آخر مستقبلا.
ما رأيك بمبدأ “الفن للفن” في الشعر؟
مبدأ الفن للفن من المبادئ التي كثر الحديث والنقاش حولها، وهي نظرية في اعتقادي من الممكن جدا أن تكون مقبولة إذا ما اعتبرنا الفن هدفا والتسلية غاية.. دون محاولة إقحام الأفكار في كل ما هو فن، فمن الممكن أن يكون شوق الإنسان للتسلية والترفيه هدفا مقصودا لذاته، والفن هو النشاط الذي بإمكانه أن يقوم بتحقيق هذا الهدف خير قيام، وهنا لا أجد غضاضة في قبول هذا المبدأ.
أما بخصوص الشعر فمن الصعوبة أن أتصور الكلمات بمعزل عن أي فكرة.. فأن تتجرد الكلمة وتتحول إلى أداة فارغة بلا معنى شيء لا يمكن تصوره إلا لو تحولت الكلمات إلى ما يشبه الهذيان. لكن هذا لا يدعونا أيضا إلى أن نبحث عن فكرة ما وراء كل نص، مما يسقطنا في حفرة “الأيديولوجيا” التي يتحول معها النص إلى أي شيء آخر غير الشعر.
“الأفكار ملقاة على قارعة الطريق / الجاحظ”
هل تؤمن بهذه المقولة فيما يخص عملية الخلق الأدبي؟ سيما أننا شهدنا تحولات عديدة في استراتيجيات ولادة النص جعلتنا نقرأ هذه الجملة بالطريقة التالية: “الأفكار ملقاة على قارعة الطريق.. البعيدة”
ربما كانت الأفكار ملقاة على الطريق في عصر الجاحظ.. لكنها اليوم غابت في أعماق الأرض! ولا بد للعثور عليها من الحفر والتنقيب والكشف المتتابع، ورغم ذلك فهي موجودة أيضا بشكل ما على قارعة الطريق.. لكنها باهتة من كثرة ما ضربتها أشعة الشمس!
إضافة إلى أن الأفكار الملقاة على قارعة الطريق كثيرا ما تبدو منهكة وساذجة! بالمقارنة مع أفكار الأعماق الأكثر نضارة ونضجا.
شهدت الحركة الشعرية العربية أربع ثورات متتالية في فترة زمنية قصيرة – بمقياس النمو الطبيعي للإتجاه الأدبي – بدءًا من جماعة الإحياء في نهاية القرن التاسع عشر مرورًا برومانسية شعراء المهجر، ومدرسة الديوان، ومدرسة أبولو، ثم التحرر من شكل القصيدة العمودية في الشعر الحر، انتهاءً بمشروع أدونيس وأنسي الحاج والماغوط في قصيدة النثر. هل ترى أن هذه التحولات كانت أسرع من أن يستطيع الوعي الأدبي العربي الجمعي إدراكها؟
أظن أن أثر التحديث والتجديد في الشعر العربي يتم ببطء شديد رغم المحاولات المتتابعة منذ المدارس الأولية “الإحياء” “المهجر” “الديوان” “أبواللو” وبالرغم من تواليها في فترة زمنية قصيرة كما ورد في سؤالك؛ وليس مرد ذلك إلى عدم استطاعة الوعي الأدبي الجمعي إدراكها؛ بل سبب ذلك في اعتقادي هو خوف الذهنية العربية الشديد على اللغة العربية التي تكتسب قدسية ما من أنها لغة “القرآن الكريم”، وبالتالي لو تتبعنا الكثير من النقاشات التي نشأت إبان تلك الحركات التجديدية لوجدنا هذا الخوف حاضرا وبقوة في العديد من النقاشات والأطروحات التي نشأت كردة فعل تجاه تلك الحركات التجديدية.
الحركة الأكثر تأثيرا في الشعرية العربية هي الأخيرة” حركة مجلة شعر على يد “أدونيس وأنسي الحاج والماغوط” لكنها هي الأخرى لا تزال تشهد جدلا كثيفا على أكثر من صعيد حول مصداقيتها من عدمه.. ولم تنج من توجيه العديد من التهم ضدها! مع اعتبار أن ميقات حركة “مجلة شعر” جاء متأخرا عن حركة الحداثة في الشعر الغربي والتي تمت في العقد الثاني من القرن الماضي “القرن العشرين” على يد “إزرا باوند” ورواد الحركة التصويرية؛ إذا ما اعتبرنا حركة “مجلة شعر” امتدادا لمدرسة الحداثة الغربية. ورغم نشوء مدارس أولية قبلها حاولت التجديد في الحركة الشعرية العربية؛ إلا انها في اعتقادي هي الأوفر حظا في محاولة تجديد الشعرية العربية.. ونقلها من مرحلتها الكلاسيكية إلى مرحلتها الجديدة.
بالتطرق إلى إشكالية الصورة الشعرية عند الشعراء الشباب في النص الشعري وغوايتها في استدراج الشاعر إلى مناطق معتمة ومربكة في عملية “التلقي” للنص الأدبي، وبمقارنتها بتجارب كبيرة في الذاكرة الأدبية العربية الحديثة أمثال نزار ودرويش وأمل دنقل وأحمد مطر وخليل حاوي وغيرهم، نجد أن هذه التجارب الناضجة استندت على الصورة النحوية كثيرا في بناء النص من توازٍ وتكرار وتكوير وتماثل ومقابلة، كما استندت على أرضية فلسفية رصينة، دون الإعتماد غالبا على آليات تشكيل الصورة الشعرية الجمالية. كيف تقرأ هذا الأمر من وجهة نظرك؟
بداية: من وجهة نظري أرى أنه من الضروري جدا أن يكون لكل شاعر رؤيته النقدية وصوره الشعرية الخاصة به.. والتي تكتسب بالمران وتكرار الكتابة الشعرية، وليس بالضرورة أن يتبارى الشباب في محاولة استنساخ تجارب بعض كبار الشعراء الذين استطاعوا تكوين رؤية نقدية أو شعرية ما.. حازت استحسان الكثير من الشعراء والنقاد.
بل أزعم بأن تعدد الرؤى والمدارس الشعرية ستفتح للشعر وللغة مدارات أرحب.. وتخلق لدى الشعراء مزيدا من التلوين الشعري الذي سينعكس على تلوينات الحياة الفكرية والثقافية.
أما بالنسبة لمسألة الصورة الشعرية وغوايتها في استدراج الشعراء إلى مناطق معتمة ربما.. مقارنة بتجارب أخرى أكثر نضجا نهجت نهجا آخر نحو الصورة النحوية وغيرها من فنون البلاغة؛ فمن المعلوم أن الكتابة الشعرية تؤثر فيها عوامل عدة تختلف من شاعر إلى آخر؛ كالتكوين اللغوي والثقافي والحالة النفسية وموضوع النص ونظرة الشاعر الفلسفية للحياة.. كلها عوامل تصنع من التباين بين الشعراء الشيء الكثير، وتصنع فروقا في التعامل مع الكلمة بينهم.
وفي اعتقادي أيضا أن اعتماد الصورة النحوية في بناء النص من تواز وتكرار وغيرها قد تكون أكثر بروزا في التجارب الشعرية القديمة ربما.
كيف ترى قضية “موت المؤلف” وتفاقم سلطة النص في النص الشعري؟ وهل تعتقد أنها ستحدث فراغات في فهم النص؟
من المفترض أن تحدث قضية “موت المؤلف” فراغات إيجابية لفهم النص.. من خلال ترك مساحات واسعة لتأويل النص الأدبي وتناول الحالة الشعرية بعيدا عن سلطة الكاتب، وهذا في اعتقادي سيمنح اللغة الشعرية هالة من الجمال، لأنه سيترك الباب مشرعا لكل التأويلات الممكنة للغة والصورة الشعرية.. وحتما ستذهب تلك التأويلات بالنص إلى مسارات جديدة لم تكن في حسبان الشاعر؛ وهنا يكمن جمال اللغة الشعرية وقداستها ربما!
كيف تقرأ قصيدة النثر؟ هل تظن أن الإشكالية في مصادمتها هي مجرد إشكالية مصطلح أم أنها أعمق من ذلك؟ وهل هناك “صراع وجود” بينها وبين القصيدة العمودية؟
أظن أن الكثير من الحبر قد أريق على أعتاب “قصيدة النثر”! وفي اعتقادي أن قصيدة النثر من المفترض أن تأخذ حظها من التجربة كغيرها من التجارب الشعرية التي حاولت الإضافة إلى القصيدة العمودية كالموشحات قديما.. وقصيدة التفعيلة حديثا.
والجدل الكثير الذي أثير حول المصطلح والمسمى يتجاوز في نظري قضية المصطلح إلى محاولة رفض شرعية وجود التجربة وبالتالي رفض شرعية بقائها! والإشكالية في نظري مشتركة لدى طرفي الصراع؛ لدى المتمسكين بالقصيدة العمودية والمناصرين لقصيدة النثر أيضا؛ فهي لدى بعض المتمسكين بالقصيدة العمودية إشكالية الأبوة والبنوة التي ترى في محاولة التجديد خروجا عن الأصل “الأب” وبالتالي افتقادا للشرعية، وهي لدى بعض المناصرين لقصيدة النثر محاولة لما يشبه سحب البساط وخطف الأضواء! وهنا مكمن الصدام المفتعل أحيانا.. ومحاولة كل طرف لنفي الآخر.
التجارب الأدبية والشعرية من المفترض أن تتجاور وتتحاور، فليس هناك ما يُجمع عليه في عالم التجارب البشرية؛ لذا يجب أن يكون الاختلاف هنا للتنوع والتعدد وليس صراعا من أجل الوجود أو البقاء.
في حين تدعو الحداثة (modernity) إلى التخلص من تبعية الأنساق الشعرية القديمة تباعا وجعل التاريخ مبتدأ بها، تدعو المعاصرة (modernism) إلى اتخاذ التاريخ سندا سواء كان ذلك في الشكل أو الأسلوب. هل تجد أن هناك خلطا في ما فهم المصطلحين؟
في اعتقادي أنه يستحيل الانفصال الكامل عن التاريخ لسبب بسيط: وهو أن اللغة جزء من التاريخ؛ ولا أتصور إمكانية الانفصال عن اللغة بشكل كامل أو محاولة ابتكار لغة جديدة كل الجدة. نعم.. قد تتعالى هنا وهناك صيحات ودعوات بالتخلص من بعض الأنساق القديمة شعرية كانت أم فكرية؛ إلا أن بعض الجذور عميقة الصلة بالتاريخ يصعب الفكاك عنها، وليس معنى ذلك الارتماء في أحضان التاريخ والماضي، بل متطلبات المنافسة اليوم تقتضي معاودة التحديث والتجديد دائما في عالم مغرم بالحداثة والجدة والابتكار بشكل متسارع وغير مسبوق.
كيف ترى المشهد الشعري العربي بعد عقود من الآن؟ كيف تتمناه؟
دائما ما أتفاءل بالمستقبل مهما كان الحاضر كالحا.. والمشهد الشعري يتطور رغما عنا؛ كما أن الحياة تتطور والإنسان يتطور.. فكذلك الشعر واللغة في تطور مستمر. قد يكون هذا التطور بطيئا بعض الشيء وقد يتعثر أحيانا؛ إلا إنه في صعود مستمر.
وأرجو أن يفضي المستقبل إلى مزيد من الحوار والنقد.. وإلى المزيد من الرؤى والمدارس الشعرية المتنوعة التي تتجاور وتتحاور في جو من التنافس الشريف والجدل الخلاق.
“من القلق يولد الشعر الحقيقي”. هل توافق على هذا القول؟
بل من القلق يولد كل شيء! القلق بالمستقبل يولد الحاضر.. والقلق من التكرار يولد الإبداع والابتكار. القلق هو شرارة الشعر الأولى التي تقدح زناد الفكرة الشعرية. لحظة القلق هي لحظة الخلق.. التكوين.. البدء، ومن ثم تغذي العاطفة الجامحة الشعور الشعري المسترسل بالنص حتى آخر نفس.
“الأنثى والقصيدة” … قل ما شئت هنا.
الأنثى قصيدة مكتملة.. القصيدة أنثى غير مكتملة!
أنوثة القصيدة في كونها تتأبى حتى حين تثور في الشاعر غريزة النص.. ولا تمنح نفسها إلا حين تشاء!
بين الأنثى والقصيدة جدل لا ينتهي عند حدود الجمال.. ولا يبتدئ إلا عند حدود الجمال.
ألا ترى كيف تبدو حروف القصيدة مضمخة بالغواية.. كما أنها تبدو محاطة بالثرثرة أحيانا!
هل أثرت الترجمات الشعرية السيئة على شيء من الوعي الأدبي العام.. عندما نريد القول أن بعض المناهج النقدية والأساليب المعتبرة أتت من خلال التلاقح مع الأدب الغربي؟
حتما الترجمات السيئة تؤثر سلبا على الوعي الأدبي العام، لكن الأكثر إساءة هو النقل السيء للمشاريع الأدبية الكبرى الناتج عن إساءة الفهم لها، سوء الترجمات الشعرية يضر بالذائقة الشعرية وربما النقدية كثيرا؛ لكن سوء النقل لمشروع كامل قد يتسبب في رفض هذا المشروع برمته وبالتالي خسارة فئة كبيرة من الاستفادة؛ وخاصة حين يكون المشروع نافعا وعلى قدر كبير من الأهمية.